
Call Me 123-456-7890

ديفرين ضد سابينا[1]
Defrenne v Sabena
مقدمة
1-تعد الدعوى المعروفة باسم" ديفرين ضد سابينا" Defrenne V Sabena التى صدر فيها الحكم بتاريخ 8 ابريل 1976، من الدعاوى الهامة فيما يخص قانون الجماعة/الاتحاد. تناولت محكمة العدل للجماعة هنا طبيعة المادة 119 من معاهدة انشاء الجماعة الاقتصادية الاوروبية من حيث التأثير والطبيق، وهى المادة الخاصة بمبدأ المساواة فى الاجر بين الرجل والمرأة مقابل ذات العمل.
2- الدعوى تخص سيدة تدعىGabrielle Defrenne كانت تعمل مضيفة فى شركة طيران سابينا البلجيكية، وتخضع للقانون البلجيكى الذى ينص على احالة المضيفات الى التقاعد فى سن الاربعين خلافا للمضيفين من الرجال وقد احيلت للتقاعد فى عام 1968. تظلمت السيدة المذكورة وحركت دعوى امام محكمة بلجيكية استنادا على ان ذلك يعد انتهاكا لحقها فى معاملة متساوية مع الرجال وفق المادة 119 من معاهدة انشاء الجماعة الاقتصادية الاوروبية، وان هذه المعاملة التمييزية اصابتها بضرر حيث تحصل على اجر تقاعد يقل عن زملائها من ارجال.
3-جدير بالذكر ان المادة 119 المذكورة تنص على ان " كل دولة عضو سوف تضمن خلال المرحلة الاولى من الفترة الانتقالية تطبيق، وفيما بعد الابقاء على، مبدأ وجوب حصول الرجل والمرأة على اجر متساو مقابل ذات العمل".
4- احالت المحكمة البلجيكية الموضوع الى محكمة العدل للجماعة لطلب حكم تمهيدى حول تفسير المادة 119 من حيث التأثير والتطبيق.
تناول محكمة العدل للدعوى وقرارها
الدعوى كما احيلت للمحكمة تدور حول تفسير المادة 119 من معاهدة انشاء الجماعة الاقتصادية الاوروبية، بشكل خاص فيما يتعلق ببعدين، اولهما تأثير المادة وثانيهما تطبيق المادة، وقد ارفقت المحكمة البلجيكية بمستندات الاحالة ما يفيد بتيقنها بوقوع تمييز فيما يخص الاجر لغير صالح صاحبة الدعوى مقارنة بزملائها من الرجال خلال الفترة من فبراير 1963 وفبراير 1966.
اولا :التأثير المباشر للمادة 119
1- اوضحت المحكمة فى مستهل تناولها للدعوى بان المقصود بالتأثير المباشر فى هذه الحالة هو قابلية قيام المادة 119 بشكل مباشر بان تضيف داخل القانون الوطنى لكل دولة عضو مبدأ ضرورة حصول الرجل والمرأة على اجر متساوى، وبالتالى الاستفسار يدور حول قابلية قيام هذه المادة وبشكل مباشر، بمعزل عن اى قانون وطنى، بمنح العاملين الحق فى تحريك دعوى امام المحاكم الوطنية لضمان احترام هذا المبدأ.
2- فى تناول م وضوع التأثير المباشر للمادة وجدت محكمة العدل ضرورة ان تتناول ايضا مسألة تحديد التاريخ النهائى الذى يبدأ معه الاقرار بهذا التأثير، اضافة الى جوانب اساسية اخرى مثل طبيعة المبدأ والهدف من المادة وموقعها فى الهيكل العام للمعاهدة.
3- المادة 119 تستهدف هدف مزدوج:
· اولا، فى ضوء اختلاف مراحل تطور التشريعات الاجتماعية فى مختلف الدول الاعضاء، الهدف من المادة 119 هو تفادى وضع تتعرض فيه المشروعات القائمة فى دول قامت بالفعل بتطبيق مبدأ الاجر المتساوى الى ضرر بسبب ضعف موقفها التنافسى فى مواجهة مشروعات قائمة فى دول لم تتخلص بعد من التمييز ضد العاملين من الرجال والنساء فيما يخص الاجر.
· ثانيا، هذه المادة تعد جزء من الاهداف الاجتماعية للجماعة، و الجماعة ليست مجرد اتحاد اقتصادى، وانما تستهدف فى نفس الوقت، عبر العمل الجماعى، ضمان التقدم الاجتماعى والسعى نحو التطوير المستمر للظروف المعيشية وظروف العمل للمواطنين.
4- مما سبق يتضح ان هذا الهدف المزدوج الاقتصادى-الاجتماعى للمادة ي جعل من مبدأ الاجر المتساوى للرجل والمرأة جزء من ركائز الجماعة، ويفسر ذلك الدافع وراء نص المعاهدة على التطبيق الكامل لهذا المبدأ بحلول نهاية المرحلة الاولى من الفترة الانتقالية.
5- بالتالى، و فى تفسير هذه المادة، من المستحيل قبول اي ادعاء لتبرير المماطلة والمقاومة التى اخرت التطبيق الفعلى لهذا المبدأ الاساسى فى بعض الدول الاعضاءـ خاصة فى ضوء الفقرة الاولى من المادة التى تنص على ان الدول الاعضاء ملزمة بضمان تطبيق والحفاظ على هذا المبدأ.
6- من بين اشكال التمييز المباشر التى يمكن تحديدها بالرجوع الى المعايير التى تضعها المادة 119
هى بالتأكيد تلك التى تعود اصولها الى احكام تشريعية او عقود عمل جماعية وهو ما ينطبق بدرجة اكبر على حالات تشهد حصول المرأة والرجل على اجور غير متساوية لذات العمل و فى نفس المنشأة او
الخدمة، سواء خاصة او عامة.
7-كما هو واضح من عرض المحكمة البلجيكية فى طالب الاحالة الى محكمة العدل فانها فى وضع
يمكنها التحقق من كل العناصر التى تجعلها قادرة على اتخاذ قرار عما اذا كانت المرأة العاملة تحصل على اجر متساوى مع الرجل مقابل ذات العمل من عدمه، وفى هذه الحالة، على الاقل، المادة 119 قابلة للتطبيق المباشر ويمكن ان ينشئ عنها حقوق فردية يكون على المحاكم حمايتها.
8- من المستحيل ايضا الادعاء بان المادة 119 تشير صراحة فقط الى "الدول الاعضاء" وان تكون هذه بالتالى هى المختصة حصريا بهذا الموضوع، بعيدا عن محكمة العدل ومؤسسات الجماعة. بالفعل، وكما اكدت المحكمة مرارا فى مجالات اخرى، كون بعض مواد المعاهدة تخطاب رسميا الدول الاعضاء فقط فان ذلك لا يحول فى نفس الوقت دون منح حقوق لاى فرد تكون له مصلحة فى اتمام المهام المنصوص عليها فى المادة المعنية، و الصياغة ذاتها للمادة 119 تظهر انها تفرض على الدول مهمة تحقيق نتيجة محددة الزاميا فى اطار زمنى محدد.
9- فاعلية هذه المادة لا يمكن تعطيلها على اعتبار ان النتيجة المفروض تح قيقها من المادة لم تتحقق فى بعض الدول الاعضاء وان المؤسسات المشتركة للجماعة لم تتحرك بقوة ضد الاخلال بهذا الالتزام.
قبول هذا المنطق يعنى المخاطرة برفع انتهاك الحقوق الى مرتبة مبدأ تفسيرى، موقف قبوله يتعارض من المهمة الموكلة الى محكمة العدل وفق المادة 164 معاهدة انشاء الجماعة الاقتصادية الاوروبية الذى ينص على ان محكمة العدل سوف تضمن احترام القانون والعدالة فى تفسير وتطبيق المعاهدة.
10- بالتالى وعكس كل التوجهات المخالفة فان هذه المادة بعيدة تماما عن كونها منح اختصاص حصرى بالموضوع الى السلطات التشريعية الوطنية، و من هنا فان الاشارة الى "الدول الاعضاء" فقط فى المادة 119 لا يمكن تفسيره بانه يستبعد تدخل المحاكم فى التطبيق المباشر للمعاهدة.
11- نظرا لان المادة 119 الزامية بطبيعتها، فان حظر التمييز بين الرجل والمراة لا يسرى فقط على على السلطات الحكومية او العامة، وانما يمتد ايضا الى كل الاتفاقيات التى تستهدف التنظيم الجماعى للعمل مقابل اجر، وكذلك كل العقود فيما بين الافراد ( تأثير افقى).
12- لخصت محكمة العدل قرارها فيما يخص التأثير المباشر للمادة فى النقاط التالية:
· مبدأ الاجر المتساوى المنصوص عليه فى المادة 119 يمكن الاستناد عليه امام المحاكم الوطنية.
· هذه المحاكم الوطنية عليها واجب ضمان حماية الحقوق التى تمنحها المادة الى الافراد، بشكل خاص فيما يتعلق بتلك الاشكال من التمييز الناشئة مباشرة من احكام تشريعية او من اتفاقية عمل جماعية، وكذلك فى حالات حصول الرجل والمرأة اجور غير متساوية فى ذات المنشأة او الخدمة، سواء عامة او خاصة.
ثانيا: تطبيق المادة 119 وسلطات الجماعة وسلطات الدول الاعضاء
اوضحت المحكمة فى ان الاستفسار حول هذه الجزئية ينقسم الى الجانبين التاليين:
· هل المادة 119 اصبحت قابلة للتطبيق فى القانون الداخلى للدول الاعضاء بحكم الاجراءات الصادرة عن سلطات الجماعة ام من الضرورى اعتبار السلطات الوطنية وحدها المختصة بهذا ا لموضوع ؟
· التاريخ النهائى لكى يتم تطبيق المادة 119 وانفاذ تأثيرها المباشر.
عرض وقرار المحكمة حول الجانب الاول من الاستفسار
1- المادة تنص صراحة على ان التطبيق الموحد لا بد من اتمامه بحد اقصى بحلول نهاية المرحلة الاولى من الفترة الانتقالية (1/1/1962). ومن خلال ما جمعته المفوضية من معلومات يتضح وجود اختلافات هامة وتفاوت بين مختلف الدول الاعضاء فى تطبيق المبدأ.
2- فى ضوء ذلك و فى 30 ديسمبر 1961، ليلة انقضاء الموعد النهائى المحدد من المادة 119، اصدرت الدول الاعضاء قرارا يتعلق بتحقيق التجانس بين معدلات الاجور للرجال والنساء و تأخير تطبيق المبدأ وفق برنامج زمنى ممتد ليصبح الموعد النهائى لازالة كل اشكال التمييز هو 31 ديسمبر 1964.
3- حتى يوليو 1973 ومن خلال معلومات جمعتها المفوضية ايضا ظهر استمرار تخلف عدد من الدول المؤسسة للجماعة عن تطبيق المبدأ، ورغم الحوارات المتعددة بين هذه الدول والمفوضية فان الاخيرة لم تفعل دعاوى انتهاك المعاهدة امام محكمة العدل ضدها. اما فيما يخص الدول الجديدة المنضمة الى الجماعة عبر اتفاقية انضمام دخلت حيز التنفيذ فى 1/1/1973، فقد اعلنت المفوضية ان هذه المادة اصبحت نافذة فى كل هذه الدول اعتبارا من هذا التاريخ الاخير. المجلس من جانبه اصدر توجيه فى فبراير 1975 لتوفير حماية قانونية للعاملين الذين يعانون فى بعض الدول بسبب عدم تطبيق هذه المادة بالكامل مع منح الدول المتخلفة عام اضافى لطبيق المادة.
4- ازاء من سبق فان المحكمة اعادت التأكيد على:
· ان المادة حددت بوضوح تاريخا نهائيا لتطبيق مبدأ الاجر المتساوى بين الرجل والمرأة.
· ان قرار الدول لاعضاء بتأجيل موعد التنفيذ ثم توجيه المجلس فيما بعد بتعديل الموعد النهائى لا تأثير لهما على موعد تطبيق المادة.
· ان المادة 119 واردة فى نص المعاهدة وبالتالى فان اية تعديلات تدخل عليها لا يمكن ان تتم الا من خلال آلية تعديل المعاهدة المنصوص عليها فى المادة 236 وهو ما لم يحدث.
عرض وقرار المحكمة حول الجانب الثانى من الاستفسار
كون المادة 119 تخاطب صراحة الدول الاعضاء فقط فان ذلك لا يبعد الموضوع بالمطلق عن الجماعة خاصة فيما يخص تحقيق الهدف المنشود من المادة. بل على العكس فان وجود اختصاص واضح للجماعة فى هذا الصدد مؤكد من كون المادة 119 تستهدف واحد من اهداف السياسة الاجتماعية للمعاهدة وان هذه المادة ذاتها موقعها فى صلب الفصل المخصص للسياسة الاجتماعة، احدى سياسات الجماعة، و هذه المادة احد احكام هذه السياسة. بالتالى وفى ضوء عدم وجود اشارة صريحة فى المادة 119 الى دور الجماعة يصبح من المناسب اللجوء الى المخطط العام للمعاهدة ومسارات العمل التى تنص عليها.
البعد الزمنى لتطبيق مبدأ التأثير المباشر
1-فى ضوء عرضها السابق للموضوع وجدت المحكمة من الضرورى مراعاة بعض الظروف الاستثنائية فى حكمها فيما، وهى:
· كان قد تم من السماح للاطراف المقصرة بالاستمرار فى ممارسات مخالفة للمادة 119 استنادا على عدم حظر القانون الوطنى بعد لهذه الممارسات.
· ان المفوضية ذاتها وبرغم حواراتها ومفاوضاتها المتعددة مع الدول غير الملتزمة بتطبيق المادة 119 فانها لم تقدم على تحريك دعاوى انتهاك المعاهدة ضد هذه الدول امام محكمة العدل.
2- فى ضوء الاعتبارات عالية و ايضا مبدأ اليقين القانونى وكلها تؤثر على مواقف الاطراف المعنية فانه من الصعب فتح مسألة كيفية علاج ما وقع فى كل الفترة السابقة على هذه الدعوى، ومن هنا فان المحكمة ترى ان التأثير المباشر للمادة 119 لا يمكن الاستناد عليه لدعم مطالبات تتعلق بفترات سداد سابقة على تاريخ الحكم الصادر فى هذه الدعوى، باستثناء هؤلاء العاملين الذين حركوا بالفعل قبل هذه الدعوى اجراءات قانونية ضد تعرضهم لتمميز بسبب الجنس.
تعليق ختامى
1- جدير بالذكر حول خلفية هذه المادة ان وضع مثل هذا المبدأ فى صلب المعاهدة جاء خلال مرحلة التفاوض حول وصياغة موادها و تم الاصرار على هذه الطبيعة الالزامية للمادة بناء على طلب من فرنسا حيث كان القلق سائدا بان تستغل الدول ذات النظم الاجتماعية الضعيفة ذلك لاكتساب ميزة تنافسية نسبية مقابل الدول ذات النظم الاجتماعية المتطورة داخل الاتحاد الجمركى الذى يتم انشائه خلال المراحل الاولى من تنفيذ المعاهدة.
2- تعود اهمية هذه الدعوى الى تناولها موضوع حيوى على صعيد التطبيق والتأثير المباشرين لمواد المعاهدة، فقد اكدت اولا على ما سبق و وان اوضحته من تأثير مباشر لبعض مواد المعاهدة فى العلاقة بين الحكومات والافراد (تأثير رأسى) فى دعوى فان جيند[2]، ومدت هنا العمل بهذا المبدأ الى العلاقات بين الافراد ( تأثير افقى).
3- من الابعاد الهامة لعرض المحكمة تركيزها على طبيعة الجماعة ذاتها وانها ليست مجرد اتحاد اقتصادى وانما ايضا ذات اهداف اجتماعية اساسية مثل مستوى المعيشة وظروف العمل وغيرها يتم تحقيقها عبر عمل جماعى وبالتالى ذات هدف مزدوج اقصادى-اجتماعى، خلافا لما كان يتم من تركيز فقط على الجوانب الاقتصادية والتجارية للجماعة.
[1] Judgment of the Court of 8 April 1976. Gabrielle Defrenne v Société anonyme belge de navigation aérienne Sabena.Reference for a preliminary ruling: Cour du travail de Bruxelles - Belgium. Case 43-75.
[2] Judgment of the Court of 5 February 1963. NV Algemene Transport- en Expeditie Onderneming van Gend & Loos v Netherlands Inland Revenue Administration. Reference for a preliminary ruling: Tariefcommissie - Netherlands. HuCase 26-62.